الثلاثاء، 8 يونيو 2010

الجزء الثاني-الطريق إلى ميونيخ


استطلاع أولى لبنية العملية

يوم 7 آب وصل كل من فخري ورفيق آخر يدعى تشي(11) الى ميونخ.
كان تشي واسمه يوسف نزال أحد ضباط العاصفة الشبان كانت قاعدته قرب النبطية وكان ممن يقومون بعمليات خلف الحدود مع إسرائيل وقد تدرب على يد أبو علي اياد وكان معه في تلال جرش وعجلون ونجا من الكارثة النهائية وأخيرا كان في عداد القادة الذين رأيتهم في بيروت بعد غارات الطيران الإسرائيلية في شباط 1972 وهم يتوسلون لأبواياد القيام بتنظيم شيء ما في مكان ما ليردوا الصاع صاعين, وهو مدعو لتسلم زمام القيادة العسكرية لفرقة الفدائيين الذين نتوقع إرسالهم الى ميونخ كان هذا الخيار جيدا , بما انه حاذق ومقاتل ممتاز في الوقت نفسه.
أما السلبية الوحيدة فهي ان تشي قصير القامة جدا وهذا عائق أكيد بالنسبة له ولزملائه عندما يضطرون لتسلق السياج الذي يعلو مترين ويحيط بالقرية .
قمت أنا ورفيقاي بزيارة المكان في وقت كانت الأعمال مازالت مستمرة وذهبنا لتفحص الشباك المعدنية عن كثب كنا متأكدين انه بغية الوصول إلى أي مكان داخل القرية لابد من تسلق السياج الحديدي العالي,لم يكن من الصعب تسلق السياج تدخل طرف حذائك في عينيات الشباك وتستند عليها ولكن المشكلة كانت انه بهذه الطريقة وتحت وزن الرجال والحقائب سوف يهتز السياج ويصدر صريرا وهذا غير مرغوب فيه لعملية تتطلب صمتا تاما .
قلت ليوسف: لا أرى سوى حلا واحدا, يجب ان تتدربوا على تسلق رجل بطولي تقريبا مثل أهل السيرك عندما يبنون أهرامات بشرية إذا تعلمتم ذلك يصبح الانتقال الى الجهة المقابلة سهلا بما انه يوجد عشب في الجهة الثانية .
الخطة العسكرية للعملية
شيئا فشيئا بدأت ترتسم معالم خطة العمل: ساعة تسللهم الى القرية الأولمبية يكون كل الفدائيين بثياب الرياضة وحتى إذا انتبه لهم لسوء حظهم الحراس فسيبدون وكأنهم رياضيون قفزوا فوق السور عائدين الى مقرهم وهذا يلغي تلقائيا مسالة ما اذا كان يجب ان يصل الفدائيون تلك الليلة كل من جهته او في مجموعات من اثنين او ثلاثة الى نقطة تجمع قرب السياج :سوف يتقدمون سويا مثل أي بعثة تعود بعد قضائها السهرة في المدينة كما اتفقنا ان عشرة رجال يكفون لاحتلال شقق الرياضيين الإسرائيليين الذين سيفاجئونهم خلال نومهم ,وسيحمل كل رجل بندقية أ.ك.47 وقنبلة يدوية لم نكن نعلم بالضبط عدد الرياضيين الذين سترسلهم إسرائيل إلى الألعاب لكن حسب المعلومات التي حصل عليها فخري كنا نقدر عددهم بخمسة عشر يجب ان نضيف إليهم عددا مماثلا من المدربين والحكام والمسعفين على اختلافهم ,عشرة رجال لمراقبة ثلاثين محتجزا في عملية كنا نتوقع ان تدوم عدة ساعات كان هذا أمرا معقولا .
على أي حال كان تشي يقول لنا أن ليس في إمكاننا أن نفعل أكثر من هذا اذ علينا لن نحتاط بعدد اضافي من الرجال كي نعوض عن بعض تخلفات اللحظة الأخيرة الدائمة الإحتمال أثناء التدريبات أو في حال منع البعض من الدخول بسبب الجوازات المزورة .
في تلك الفترة لم يكن لدينا أكثر من خمسين متطوعا في مخيمنا في لبنان أكثر من ثلثهم مجندا لهذه العملية وقد كانت هناك مهمات أخرى نخطط لها في الأسابيع المقبلة.
وبالنسبة لتاريخ القيام بالعملية فقد قررنا ان ندع عدة أيام تمر بعد افتتاح الألعاب الرسمي في 26/8/1972 قبل ان نتحرك بذلك نستفيد من هذا الوقت لمراقبة الإجراءات الأمنية التي سيتخذها الألمان والتعرف على شقق لإسرائيليين.
في هذه المرحلة لم نكن نستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك في تقديراتنا, قضينا أنا وفخري وتشي الوقت المتبقي في درس كل أنواع الطرقات التي تؤدي الى القرية الأولمبية وفي تحديد فنادق مختلفة في ميونخ نوزع عليها رجالنا اثنين اثنين ومقاه أو مطاعم في المدينة سيمكث فيها كل منا في الساعات التي تسبق العملية وفي تاريخ 12/8 رحل فخري وتشي إلى ليبيا حيث كان يجب أن يوافيهما إلى أحد مخيماتنا فدائيونا الشبان الذين تم اختيارهم في مخيمنا الرئيسي في لبنان من اجل القيام بتدريبات مكثفة .
رسم الأهداف من العملية
من ناحيتي أنا عدت إلى بيروت التي غبت عنها شهر ونصف الشهر وقابلت أبو اياد الذي اخذ مني جواز السفر ويحتوي على التأشيرة الألمانية وذلك لفحصه من قبل خبراؤنا ويضعون نسخا منها على كدسه جوازات أردنية مزورة من اجل الفدائيين المختارين للعملية .
من جهتي عرضت عليه مخطط العملية الذي وضعته أنا وتشي ,كان أبو اياد مهتما بالإجراءات التي يجب اتباعها بغية تبادل المحتجزين بأولئك الذين كنا ننوي تحريرهم في إسرائيل اكثر مما كان يهتم بتفاصيل الشق العملياتي من الهجوم على القرية الأولمبية الذي عهد فيه إلينا.
كنا نتصور مسبقا عناد غولدا مائير لذا كنا نفكر في صيغة تراجع في حال رفض إنذارنا النهائي, في الواقع سوف يطالب الفدائيون في البداية ان يتمكنوا من السفر مع محتجزيهم الى وجهة يحددونها في حينه كنا نفكر في مصر لكن ما من شيء يمنعنا من إضافة بلدان أخرى سوف يعتقل هناك الرياضيون الذين نكون أسرناهم بصفتهم مواطنين من بلد عدو ويحررون فقط عند قبول السلطات الإسرائيلية القيام بالمبادلة وفي أسوأ الأحوال, وإذا وجدنا انهم شبه عسكريون كي لا نقول انهم عسكريون بصفة كاملة لن يكون عندها مصيرهم مختلفا عن مصير مقاومينا الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل.
أراني ابو اياد لائحة بأسماء المعتقلين الذين سوف يطالب فدائيونا باسم "أيلول اسود " بتحريرهم وكان قد دون فيها اكثر من مائتين من أسماء المقاومين الفلسطينيين كما كان على اللائحة اسم كوزو اوكاموتو الناجي الوحيد من اليابانيين الثلاثة الملتحقين بالجبهة الشعبية والذين قاموا بعملية اللد في نهاية أيار وكذلك أسماء ستة ضباط سوريين ولبنانيين أسرهم الإسرائيليون في حزيران.
وقد قررنا ان نختم أحد البلاغين اللذين سوف يوجههما الفدائيون الى السلطات الألمانية بنداء لتوحيد الثوار في العالم اجمع على ان يوقع (م أ أ د) أي منظمة أيلول الأسود الدولية .
في الواقع كنا نخطط لتوجيه بلاغين الأول يضرب على الآلة الكاتبة وبالإنجليزية يبلغ ساعة يكون رجالنا قد تسللوا الى القرية الأولمبية واحتجزوا اسراهم وترفق به لائحة بأسماء الأشخاص المطلوب الإفراج عنهم يحدد وقت الإنذار بساعة معينة أما البلاغ الثاني وهو معد لإعطاء مهلة إضافية فيصر وللسبب الذي ذكرناه سابقا على ان توضع الطائرات المطلوبة تحت تصرف فدائيينا واسراهم مع فرق أخر هو انه سيكون بالألمانية وسيكتب بقلم حبر ناشف ليعطي الإنطباع أنه حرر ميدانيا.
كنا نعمل جادين للتخطيط للعملية بأدق التفاصيل تاركين للصدفة اقل ما يمكن من العناصر بقي أننا كنا لا نزال نفتقد العنصر الأساسي لنجاح عملنا :الأسلحة كيف نهربها الى ألمانيا ؟ هذا كان السؤال الحرج على بعد أسبوعين من الألعاب كنا نخشى ان تصبح مدينة ميونخ تحت رقابة الشرطة الشديدة.إلا ان ابو اياد حسم الجواب بنفسه عندما قال سوف احضر لك الأسلحة بنفسي
بدأ التجهيز لتنفيذ العملية
في 17/8 عدت الى ميونخ التي بدأت الوفود كما الصحافيون وفرق التلفزيون من العالم بالوصول واصبح الدخول الى القرية الأولمبية محدودا فعلى الداخل التعريف بنفسه وقد تم الإعلان عن توزيع البعثات في القرية , علمت عندئذ في أي مبنى بالضبط سيقيم الإسرائيليون كان ذلك في نهاية ممر للمشاة يسمى كونوليشتراسه في المجمع 31 في واجهة بناية ضخمة يشغلها ألمان شرقيين وهي قريبة من السياج الحديدي.
في ذلك الوقت عاود ابو اياد الاتصال وقد ترك لي رسالة يحدد لي موعدا يوم 24/8 في مطار فرانكفورت وقد حدد لي رقم الرحلة وساعة الوصول , وقد قررت الرحيل الى فرانكفورت قبل يوم من وصوله حتى لا أتأخر عليه ونزلت في فندق لست معروفا فيه هو فندق كونتيننتال, وأخيرا في اليوم التالي وصلت الى المطار قبل الموعد كي أتمكن من ملاحظة أي أمر غير طبيعي ,وصل أبو أياد برفقة شخصين آخرين امرأة وصديقه التاجر علي ابو اللبن(12) وقد رايتهم يضعون حقائبهم على العربة كانت هناك خمسة منها وكلها متشابهة ,اتجه الثلاثة نحو الجمارك كان ابو اياد يبدو مرتاحا ولكن علي الذي كان يجر العربة يبدو مضطربا ينظر يمينا وشمالا ويدفع المسافرين أحيانا وبسبب توتر أعصابه استنتجت ان الأسلحة كانت هناك في تلك الحقائب, ومن خلف الزجاج استطعت ان أراقب المشهد
كانت المرأة تلعب دور زوجة ابو اياد طلب رجال الجمارك من ابو اياد ان يفتح إحدى الحقائب وبدا بفتحها كانت تحتوي على ألبسة نسائية داخلية وبدا ابو اياد يبسط المحتويات مجاملا رجال الجمارك الذين يلوحون بأنهم قد رأوا ما فيه الكفاية عندها أعاد ابو اياد ترتيب الحقائب والخروج من المطار وقد كنت اتبعهم خوفا من ان يكونوا مراقبين واستمريت في مراقبتهم حتى بعد وصولهم للفندق بنحو ساعة .
ذهبت الى الفندق وقابلت ابو اياد الذي كان يرتاح أما المرأة واسمها جولييت فكانت في الغرفة المجاورة و أشار ابو اياد على الفور الى حيث وضعت الأسلحة كانت في حقيبتي سفر وقال:فكرت انك تستطيع نقلها هكذا بسهولة اكبر. فأجبته:حسنا فعلت لكنها ثقيلة الوزن !
وهتف ابو اياد:وماذا سيحدث لو كانت تحتوي على عشرة كلاشنيكوفات ؟
فتعجبت قائلا : ماذا ألا يوجد عشرة ؟
رد قائلا :متأسف يجب ان تتدبر آمرك بمجموعة من ثمانية فدائيين وليس عشرة كما كنا نتوقع أصلا إذ ان مشكلة قد حصلت أثناء التدريب في ليبيا .
هذه لم تكن سوى أولى الأخبار السيئة فقد وجدت في الحقائب ستة كلاشنيكوفات بدلا من ثمانية مع رشاشي كارل غوستاف كما نسوا القنابل اليدوية فتذمرت قائلا من العبث مع مجموعة من ثمانية مقاتلين ان نطالب بثلاث طائرات كنا نحتاج الى ثلاثة رجال لكل طائرة لم يعد هذا ممكنا.
تنهد ابو اياد قائلا:حسنا لن نطلب سوى واحدة سأعمل على تصحيح البلاغين.
اتفقنا على اثر عودته الى بيروت سيبعث الي بعلي في أول طائرة ويجلب معه القنابل اليدوية. كما قمت أنا وعلي بنقل الأسلحة الى ميونخ بحقائب ملفات التي لا يفتشها الألمان في محطات القطارات لتخبئتها في خزائن الودائع.
يوم 26/8 يوم افتتاح الألعاب وصلتني حقيبة القنابل اليدوية وعددها عشرة ولم يعد لدي سوى انتظار قائدي المجموعة الفدائية.
في ذلك المساء شاهدت على التلفزيون صور حفل افتتاح الألعاب الأولمبية وعندا كنت أشاهد اشاهد استعراض بعثات الدول لم اكن أتخيل أننا سنحصل وبفعل المصادفة الغريبة على مساعدة فريق من الرياضيين الأمريكيين وامرأة شابة من البعثة الإسرائيلية.

الاستطلاع النهائي لموقع العملية
لم يكن يزعجنا احتمال ان يصدم الرأي العام العالمي بالعملية المدوية التي نستعد للقيام بها, كنا مستعدين لأي عمل من اجل منع تناسي مصير شعب وطنه محتل محروم من دولة له,زد على ذلك ان اللجنة الأولمبية قررت إبعاد فريق روديسيا فلماذا لا تبعد الفريق الإسرائيلي أيضا؟
لهذا السبب لم أجد صعوبة في إقناع صديقة فلسطينية التي كنا نعرفها أنا وعائلتي في دمشق بمساعدتنا سألتها هل تتكلمين الألمانية؟
قالت أتدبر أمري .وقد صارحتها ولم أخف عنها مهمتي ولا العوائق التي كنت أواجهها في استطلاعي النهائي فقلت لها: بما انك تتكلمين الألمانية فقد تتمكنين من إقناع أحد الحراس على أحد مدخلي القرية بان يتركنا نمر أنا وأنت ,وأضفت ان هذا اكثر فاعلية مما حاولت القيام به أمس انا واثنين من مسئولي المجموعة الفدائية.
في الواقع حاولنا ان ندخل القرية ولكن محاولتنا باءت بالفشل الذريع حيث لم يكن المكان مفتوحا لكل من أراد الدخول ولم يكونوا يسمحون بالدخول إلا للرسميين أو الرياضيين أو أحد الصحفيين المعتمدين.
وقد اكتفينا بالسير على طول الطريق التي تحد القرية وما شاهدناه لم يكن دون المنفعة لم يكن هناك إجراءات أمنية مشددة لا أسلاك شائكة ولا حراس هنا او هناك ولا دوريات مع كلاب شرطة مثلا عند هبوط الليل ,باستثناء بعض الأمن الشبان الذين ينتقلون بشكل منتظم بواسطة الدراجات باختصار لم يكن هناك ما يشبه الموقع المحصن.
ولكن على الرغم من ذلك كان لا بد لنا من استكمال استطلاعنا داخل القرية ,فليس لدينا أدني فكرة عما سنقوم به بغية احتلال الجناح الذي يشغله الإسرائيليون على خريطة للمكان اقتطعتها من إحدى الجرائد كان يبدو موقع البناء بشكل واضح لكن المشكلة هي ان الجناح الذي يحمل رقم 31 كان مسكونا من الاوروغوانيين ومن بعثة هونغ كونغ أيضا ودون الإمعان في التفاصيل كيف نتجنب ان يخطئ الفدائيون الشقق؟
ذهبت انا وسهام الى القرية من مدخل جانبي ووفق سيناريو وضعناه سويا بعدما رأينا قبل بضع دقائق رياضيين برازيليين يعودون الى شققهم سالت سهام أحد الحراس:
صديقي برازيلي يعتقد انه تعرف على أحد رفاق مدرسته القدامى في الفريق الذي دخل لتوه هل يمكنك ان تدعنا ان ندخل لخمس دقائق, عشر دقائق على ابعد حد.
بعد تردد قليل وافق الحارس على الدخول ليس لأكثر من عشر دقائق,وإمعانا منا في الخداع أخذنا نحن الاثنين نجري بأقصى سرعة كي نوهمه أننا نحاول اللحاق بالبرازيليين ثم اختلطنا بجموع الرياضيين وأسرعنا في الاختفاء من الحراس.
سرنا بجانب الطريق المقابلة للمبنى 31 حيث توقفنا قليلا لنراقب المبنى الذي يشغله الإسرائيليون , المبنى متواضع, طويل مؤلف من طابقين أما الباب الزجاجي على طرف المبنى فكان يعطي انطباع انه المدخل الرئيسي غير أننا لم نستطع ان نحدد مكان إقامة الإسرائيليين من بقية الفرق التي تقيم في الجناح نفسه.
عندها قلت لسهام:تعالي لنذهب ونتحقق إذا كان المبنى الذي يشغله السعوديون والسودانيون يشبه هذا.
استعنت بالخريطة لأتبين ان هذا المبني على بعد مائة وخمسين مترا وقد صح ظني تماما فالهندسة هي عمليا مثل هندسة مكان إقامة الإسرائيليين.
استطعنا ان ندخل الى المبنى بعد ان ادعينا أننا لاتينيون نريد رؤية مسجد واستغليت دخولي للتفرس في المكان والتعرف عليه لابد ان مساكن الإسرائيليين بالشكل نفسه.
دامت زيارتنا عشرين دقيقة واعتذرنا للحارس الذي سمح لنا بالدخول.
في اليوم التالي عدت الى القرية مع مسئولي المجموعة الفدائية والهدف هذه المرة معاينة المبنى حيث يقيم الإسرائيليون, لم يبد لي من السهل احتلال كامل الشقق (6 شقق) دفعة واحدة وبثمانية رجال فقط كان يجب التحقق من هذه النقطة, دخلنا القرية بسهولة فالحارس قد تذكرني وبعد القليل من الكلام سمح لي بالدخول.
وقد بدأت الأمور تسير على أفضل ما يمكن, وهذا لم يكن شيئا بالنسبة لما كان ينتظرنا فما ان وصلنا الى المبنى 31 حتى رأيت فجأة امرأة سمراء تخرج من الباب الزجاجي الكبير ومن مظهرها عرفت أنها إحدى المرافقات فذهبت لملاقاتها وقلت لها:أنا بحلم بزيارة إسرائيل انا برازيلي مثل صديقي اللذين يرافقاني نتمنى الحصول على كراسات دعائية عن بلدكم وأعلاما نأخذها معنا.
قالت لنا :سأجدها لكم الحقوا بي, وعادت أدراجها الى الجناح الإسرائيلي ودخلنا القاعة وراءها حتى أنها رجتنا الدخول الى إحدى الشقق الأرضية, كان المبنى مثل المباني التي رايتها في المبنى السعودي أثاث فاقع الألوان ومطبخ بباب جرار وفسحة تستعمل كصالة طعام مع وجود فارق واحد هو درج لولبي داخلي وعند سؤالي عنه قالت إنها شقة دوبليكس أي شقة موزعة على طابقين وقد استطعنا ان نجعلها ترينا مكان مبيت الرياضيين وكان كل رياضيين اثنين يناما في غرفة واحدة واستطعنا ان نرى الطابق العلوي من الشقة حيث يحتوي على غرفتان واحدة تطل على الطريق والأخرى على الحديقة.
استغلينا غيابها لإحضار الأعلام لنلقي نظرة على القاعة ومخارجها فبالإضافة للسلم الذي يوصل للطابق العلوي كان هناك سلم يوصل للقبو ولكننا لم نجد في الطبقة الأرضية أي ممر او باب يوصل الى الشقق الأخرى.
عادت المرأة ولم يبق أمامنا إلا أن نشكرها وكانت لا تشك إطلاقا أنها سهلت مهمتنا بشكل كبير.
أصبحنا نعرف الآن أول أهداف مجموعة الفدائيين: السيطرة على تلك الشقة التي زرناها كانت الشقة معزولة بعض الشيء على طرف المبنى وتتحكم بأكبر عدد من المخارج وعند احتلال هذه الشقة واحتجاز ساكنيها يجمع فيها الفدائيون بقية الإسرائيليون الذين تم أسرهم في الشقق التي لا يمكن دخولها إلا من الخارج.
مساء ذلك الخميس 31/8 كنت مع رفيقي ننتظر بفارغ الصبر وصول بقية الفدائيين من ليبيا.
الخطة النهائية لتنفيذ العملية

مساء يوم السبت 2/9 عشية وصول الرجال الستة أجريت نقاشا معمقا انا وتشي ومحمد مصالحة(13) حول مختلف جوانب المهمة التي تنتظرهما حتى تلك اللحظة لم يكونا يعرفا سوى الخطوط العريضة للعملية أي احتجاز اكبر عدد من الإسرائيليين في القرية بهدف مبادلتهم بمعتقلينا في إسرائيل , لكنني عملت على توضيح دور كل منهما و بحصولنا على البلاغات ولائحة المعتقلين حددت لهما هامش المناورة في المفاوضات التي سيقومان بها عند نجاح عملية الاحتجاز. وأضفت ان ابو اياد لم يختركما لقيادة الفدائيين لتنتقما من البعثة الإسرائيلية إذ يجب ان لا يقتل او يجرح أحد , العملية التي تنتظركما هي عملية سياسية وليست عسكرية تعليماتنا لكما هي ان تأسرا هؤلاء الإسرائيليون أحياء , من المهم جدا أيضا ان تظهرا للرأي العام بمظهر المحاربين الغير قساة المتمالكين أنفسهم تماما.
أطلعتهما كذلك على البلاغين وورقتي الأسماء التي عليها اسم 236 معتقلا نريد إطلاق سراحهم حيث يجب ان تلحق القائمة بالبلاغ الأول, كما قلت لهما من اجل مصداقيتكما ومصداقية " أيلول اسود " يجب ان يفهم محاوروكما أنكما ستقتلون الأسرى في حال لم يتجاوبوا مع رغباتكم ولكن حتى بعد انتهاء المهلة الأولى في الساعة التاسعة صباحا والمهلة الثانية التي تستمر حتى الظهر ,نعطيكم الصلاحية في حال انقضت المهلة الأخيرة بان تؤجلوا تنفيذ تهديداتكم الى ابعد حد ممكن .
إلا ان تشي ومحمد مصالحة لم يتوانيا عن لفت انتباهي الى المرحلة الدقيقة في بداية العملية إذ ان لحظة دخولهم المكان سيفاجئون بعض الرياضيين وهم نيام لكن الآخرين قد يكونون ساهرين او يستيقظون اثر ضجة كسر الباب الرئيسي الزجاجي الذي قد يكون مقفلا , وبين أعضاء البعثة مصارعون ورافعو أثقال إضافة انهم أصحاب خبرة في مغاوير الجيش لن يكون من السهل ضبطهم.
اعترفت ان تلك اللحظات هي الأخطر في العملية :معكم الكلاشنيكوف كي توقفوا أسراكم عند حدهم إلا أنى أصر لا تفتحوا النار إلا إذا كنتم تعجزون عن أي شيء آخر.
ثم وصلنا الى المفاوضات التي يجب ان يقوموا بها مع السلطات المحلية فاطلعتهما ان عليهما المطالبة بثلاث طائرات للسفر الطويل لحظة تسليم البلاغ الأول كي يغادروا البلاد هم وأسراهم بغض النظر عن نتيجة المفاوضات التي ستجريها ألمانيا مع إسرائيل. وقلت: لسنا من السذاجة ان نظن ان غولدا مائير سوف تستجيب لطلباتنا فورا لذا من الأفضل ان تختفوا عند أول فرصة انتم وأسراكم وترحلوا الى القاهرة حيث تسلموا أسراكم الى المصريين وهم يفاوضون مكانكم على شروط التبادل. فسال تشي :ثلاث طائرات هل هذا ضروري.
فقلت:سؤال جيد يا تشي قررنا في السابق ان تكونوا عشرة لكن ابو اياد لم يجد متسعا لتعديل البلاغات تقيدوا بما تطلبه البلاغات وعند انتهاء المهلة الثانية يمكنكم التخفيف من مطالبكم وتكتفون بطائرتين لكنه من الضروري جدا ان تضعوا هذه الطائرات بتصرفكم ,ارفضوا أي اقتراح مغاير كالمال الوفير مقابل إطلاق سراح الأسرى او ضمان سلامتكما وسلامة بقية الفدائيين.
وأخيرا رجوتهما عدم الأفصاح عن وجودي لبقية الفدائيين المتوقع وصولهم في اليوم التالي وعدم ذكر مناقستنا هذه أمامهم.وأنهيت الحديث قائلا:سنعيد البحث أيضا مساء الاثنين.
على أنني قبل ان نفترق وزعت الأدوار بينهما في المرحلة اللاحقة من العملية,تشي مشهور بأنه محارب قديم عليه إذا ضبط الوضع العملياتي من الناحية التكتيكية, لكنني كنت أفضل الرفيق الآخر من أجل التفاوض مع السلطات المحلية لذلك عينت محمد مصالحة مسؤولا سياسيا عن المجموعة.
لا بد ان أقول بضع كلمات عن هذا الرجل الذي مثل تشي سوف يقتل اثناء العملية فقد سبق ان لقيته في لبنان الربيع الماضي وهو أحد ضباط العاصفة الشباب وقد تدرب على يد أبوعلي إياد وقد وضع نفسه مثل تشي تحت تصرف أبو إياد .
سوف يدهش القاريء:كان محمد يتكلم الألمانية وكنت اجهل هذا عندما كنا في ميونخ. كيف لي ان أعرف ذلك؟ خلال الثمانية الأيام التي قضيناها معا كنا نتناول وجبات الطعام سوية في المطاعم لم اسمعه يقول أي كلمة بالألمانية ولا حتى لنادل ما فهو لم يتكلم مع أي كان غيري أنا ويوسف.
لكننا عندما كنا نتناقش بدا لي من الناحية السياسية اكثر نضجا من تشي إضافة أنه كان رجلا هادئا بعكس يوسف الذي كان مقاتلا باسلا لكنه زلق اللسان أكثر ما يجب بالنسبة إلي وقد يثور غضبه أحيانا .
البـدء بتنفيـذ العملية

صباح 4/9 أعطيت الإشارة للاستعداد فاتصلت باكرا بتشي ومحمد في فندقهما أعلمتهما قائلا :نلتقي في المحطة بعد الظهر , وكنت قد اشتريت قبل يومين ثماني حقائب رياضية وبذلات تدريب كما اشتريت الكثير من الجوارب ليستعملوها كغطاء للرأس وعدة امتار من الحبال وسكاكين وأمواس حلاقة وعدة للإسعافات الأولية ومؤنه من المعلبات الغذائية تكفيهم ليومين أو ثلاثة تقريبا ,
والتقيت لاحقا قائدي المجموعة في المحطة وهما كانا قد ذهبا لتناول الغداء مع الرجال الذين وصلوا مساء أمس وأعادوهم بعدها إلى فنادقهم ,توجهنا نحن الثلاثة لأخذ حقائب الأسلحة المخبأة في خزانات الودائع ثم أخذناها إلى فندقي المعتاد "ادن والف" وقمنا بتوضيب الأسلحة في الحقائب الرياضية كل رشاش لكل حقيبة مع مخازن الرصاص وقنبلة او قنبلتين كما أضفنا السندويشات التي قمت بتحضيرها وبقية المؤونة التي اشتريتها في الصباح ومن ثم قمنا بتوزيع الحقائب على الفدائيين كل ثلاثة فدائيين في فندق منفصل عن بقية الفدائيين وبعد ان انتهينا حددت لهما موعدا الساعة التاسعة مساء للحضور مع الرفاق الستة يدفعون ايجار غرفهم ويتأكدون من عدم تركهم فيها أي شيء يثير الشبهات.
وفي الوقت المحدد حضر أفراد المجموعة وكانوا جميعهم قد لبسوا البذلات الملونة التي اشتريتها, فذهبنا مباشرة إلى مطعم المحطة الذي يبقى فاتحا أبوابه طوال الليل.
بإستثناء القائدين لم أكن أعرف أحدا من هؤلاء الفدائيين القادمين جميعهم من مخيمات لاجئينا في لبنان,لكنني لم أكن متأكدا من أحدا منهم لم يرني من قبل أثناء ترأسي "الشعبة 48" أو على رأس ميليشياتنا في لبنان,على أي حال قدمني تشي بأنني برازيلي أساعد الثورة الفلسطينية وحرصت بالتالي ألا أتكلم العربية.
وكما تفرض القاعدة في هذا النوع من العمليات كان هؤلاء الشبان الذين تلقوا تدريبا مكثفا في ليبيا يجهلون كل شيء عن حقيقة المهمة التي تنتظرهم لذا كان العرض الذي قام به قائدهما لهذه المهمة أثناء الأكل طويلا جدا من جهتي تدخلت قليلا مكتفيا بالتحقق عن استيعابهم الكامل للأمور التي تناقشنا فيها أول أمس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق